أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - إعترافات ومعاناة إله-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم















المزيد.....


إعترافات ومعاناة إله-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 5385 - 2016 / 12 / 28 - 04:06
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إعترافات ومعاناة إله – جزء اول
خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم (59) .

هذا المقال يقدم صورة تخيلية لمقابلة مع الإله المُفترض , ليكون كل صورها تخيلية بحكم عدم وجود إله , ولكنى أوجدته لأمرر أفكارى النقدية لفكرة الإله أو فلتقل أمرر فكر الألوهية كما تصورتها فى صباى قبل إلحادى , ومازلت أرى فكر الربوبية أقل ضرراً من فكرة الإله فى الصياغة الإبراهيمية , وإن كان من الأفضل فكرياً والأكثر منطقياً هو إدراك عدم وجود أى إله .

الإله : أهلاً .
أنا : أهلاً بك .
الإله : حضورك هنا إستثنائى وسأشرح لك لماذا هو إستثنائى ليكون ترحيبى بك من باب رغبتى فى البوح والإعتراف بمعاناتى .
أنا : ترتسم على وجهى علامات التعجب وأقول كيف ؟
الإله : سأقول لك لماذا هو إستثنائى .. بداية قد تتصور أنك هنا لأحاسبك كونك ملحد رافض لوجودى فتتوقع أن يكون حسابى لك عسير وقاسى كما أعلنت الأديان والمعتقدات على الأرض .. بداية لا تنزعج فأنا لن أحاسبك ولن أحاسب أى إنسان على الأرض سوى آمن بوجودى أو ألحد , سواء عمل أعمال طيبة أو شريرة , فكل هذه الأمور لا تعنينى وأرجوك أن تبلغ هذا للبشر ليتخلصوا من هذا الوهم وتلك الصورة التى رسموها لى , فأنا خلقت الحياة والوجود كفنان مُبدع يعشق فنه فلا ينتظر من لوحاته وتماثيله أن تعبده أو تقدم له الإمتنان والإنسحاق والتبجيل , كما يمكن القول أيضا أننى خلقت الحياة والوجود لأجد تسلية فى صمتى ووحدتى الطويلة الممتدة عبر الأزل فهكذا متعتى , فلا أنتظر من أحد أن يعبدنى ويقدم لى بعض التمتمات المنافقة من خلال صلوات , كذلك لست بحاجة لقرابين وأصوام وهذا الهراء , فأنا غنى كامل منزه لست تحت الحاجة والغاية , فالحاجة تبدد ألوهيتى لذا لا أنتظر عبادات وصلوات وتضرع من أحد , ولن أجزى وأعاقب أحد , فهذه حياتكم فلتعيشوها وفق قوانينكم ونواميسكم وتطوركم لتحققوا مستوى من السلام والأمان والسعادة , ومن هنا أهيب بك أن تنقل هذه الفكرة لتصحح تلك الرؤية المغلوطة عنى والتى نسجتها الأديان بغية تحقيق مشاريع هيمنة على القطيع تخدم مصالح الأقوياء والنخب السياسية والإقتصادية والإجتماعية .. قل لهم لا يوجد لدى الإله جزر أو عِصىّ .. قل لهم أنهم يسيئون لى إساءة بالغة لم يجرؤ الملحدين على تلك الإساءة , فملكوتى كما تراه بسيطاً متواضعاً وليس بيت دعارة لتجرع الخمر وممارسة الجنس أمام عيونى فأنا لست قواد لأقدم النسوان للرجال .. ولست سادياً بشعاً أذيق البشر العذاب والألم فى شواية الجحيم إلى الأبد .. لا يوجد عندى جنه ولا جحيم ولتعيشوا حياتكم كما يروق لكم لتتوافق مع نواميسكم وتطوركم , ولا تحملونى أضغاث أحلام رغباتكم الجنسية المكبوتة المحمومة , ولا تلصقوا بى رغباتكم السادية البشعة فأنا لست كذلك ولا يعنينى ضيافتكم .. رجاء أن تقدم هذه الرسالة فمعاناتى شديدة من تلك الصورة القميئة التى يلصقونها بى كمنتقم سادى قواد تافه .
أريد أن أضيف شيئ آخر وهو أننى لم أرسل رسالات من السماء فكل هذا كذب وإفتراء, فأنا غير مُعتنى بهذه القصة كما ذكرت , وأرى الأديان أساءت لى أشد إساءة فقد شوهت صورتى أمام مريديها لتشركنى فى حروبها وأطماعها وعنصريتها , فأنا لا أطرح فكرة الشعب المختار ولا خير أمة أخرجت للناس فلا أعتنى بعرق وجنس محدد , ولا أحث أحد على القتال بإسمى ولا أشاركهم فى الغنائم فكل تلك الأمور أطماع ومشاريع سياسية حشرت إسمى فى مشاريعها حتى تكتسب القدسية , وأضيف أيضا سذاجة الطرح الذى يقول أننى تجسدت ونزلت إلى الأرض لأغفر للبشر خطاياهم فهى قصة ساذجة فأنا غير مَعْنِى بخطايا البشر والغفران ولا تلك الطريقة , ويزداد تهافتها عندما تعلم ان الأرض بمثابة حبة رمل واحدة وسط صحراء مملكتى الشاسعة فبأى عقل ومنطق أعتنى بالأرض وما عليها لأوليها كل هذا الإهتمام .

أنا : حسناً ولكن مازلت أتوقف عند قولك فى بداية الحديث أنك تود الإعتراف والبوح بمعاناتك فكيف يكون هذا ؟ فما هى معاناتك وانت إله ؟.
الإله : صدقنى الإنسان أفضل حالاً منى .!
أنا : وقد أرتسمت علامات الدهشة والتعجب على وجهى لأقول له كيف يكون هذا ؟!
الإله : إذن دعنى أبوح .. أنا أعيش حالة من العدمية تدفع أى عاقل للإنتحار ولكن للأسف لا أقدر على الإنتحار فأنا عاجز عن هذا الفعل , لذا أحسدكم كبنى آدم على حريتكم فى الإقدام على التخلص من حياتكم , كذلك قدرتكم على خوض حالة الموت سواء أكانت بإرادتكم أو رغماً عنكم فأنا لا أقدر الإقدام على الموت ليثبت هذا عجزى .!

أنا : فلتوضح لى ماذا تقصد بالعدمية ؟
الإله : العدمية تعنى إفتقادى للغاية والمعنى والقيمة والإحساس والزمن , فألا يعتبر هذا الشعور قمة العدمية القاتلة , لا توجد لى غاية بحكم كونى كامل منزه عن الإحتياج , ولا يوجد للأشياء معنى بحكم أن المعنى إنطباع وإحساس وإنفعال وأنا منزه عن الإنفعال ومنزه عن التأثر بالأشياء , فالأشياء هى من خلقى فكيف أنفعل وأتأثر بها كحالكم كبشر لتتشكل منها مشاعركم وإنفعالاتكم , علاوة أن الإنفعال يعنى الخضوع لمؤثر .. كذا العدمية تتجلى فى الزمن , فالزمن لدى لانهائى ممتد فى الأزلية والأبدية فكل النقاط على خط الزمن اللانهائى متشابهة ولا توجد نقطة مميزة مؤثرة , فما رأيك فى عدميتى ؟!

أنا : صدقاً لقد بدأت اشعر بمعاناتك وماذا بعد ؟
الإله : معاناتى ممتدة فأنا أعيش حالة من الصمت الرهيب الممتد إلى المالانهاية , فأنا ليس لى أصدقاء أو حبيبة لأحكى معهم , لا أحكى مع أحد بحكم أنى إله واحد أحد متفرد , فلا يوجد آلهة لنتبادل أطراف الحديث لأجد نفسي جالساً هنا في السماء وأنظر حولي فلا أجد شيئا غيري وغير الاشياء التي خلقتها فى الماضى , لا أرى كائنات أخرى تنافسني وتشاغلنى ولا أرى شيئا فوقي يمكن أن يكون خالقي إلا إذا كان مختبئاً , لا يوجد شيء آخر غيري , كما لا يوجد فى مملكتى ما يقال عنهم ملائكة فلست بحاجة إلى خدم او لمن يمجدنى ويسبحنى على الدوام , فأنا غنى منزه عن الحاجة والاحتياج , كما أمتلك القدرة على إنجاز اى شئ بدون الإعتماد على ملائكة لذا حضور ميثولوجيا وفنتازيا الملائكة هو تشكيك فى قدرتى المطلقة .. أنا موجود منذ الأزل لذا أعيش حالة من الخرس والصمت القاتل فألا ترى أن الإنسان يعيش الحياة بحيوية وتدفق وأنا أعيش موت القبور فهكذا حالتى الوجودية .!

أنا : أتخيل مشهد وجودك وأشفق عليك .
الإله مستطرداً : قرأت لك مقالات تزيلها بعبارة : "لو بطلنا نحلم نموت .. طب ليه مانحلمش" لتعجبنى هذه العبارة كثيرا بمعانيها ومغزاها ولأتحسر فى داخلى حسرة كبيرة , فأنا لا أحلم ليس لكونى لا أنام فقط بل لا أحلم أحلام يقظة , فلا توجد لدى أحلام كونى أفتقد للأمنيات والتطلعات والرغبات , أنا كيان مصمت يفتقد الأمل فلا توجد لدىّ تطلعات ورغبات وأمانى فى التطور والتحسين من حياتى . !

أنا : بالفعل بدأت أشفق عليك .
الإله : فلتشفق علىّ أكثر عندما تعلم أننى أفتقد فى تكوينى وشفرتى للأحاسيس والمشاعر , فأنا كتلة مصمتة باردة تفتقد لأى إحساس وتفاعل , فلا تستغرب ولا تستحضر تأليفات الأديان عن الإله المُحب الغاضب المنتقم النادم ألخ , فهذه المشاعر لا تتوافر لدىّ بحكم إنها إنفعالات وحالات من التأثر بالأحداث والمشاهد وكونى إله فأنا منزه عن الإنفعال , فالإنفعال يعنى تأثرى بالمشهد وخضوعى لأحداثه ومفرداته , كما أن مشاعر الغضب والثورة ألخ تعنى المفاجأة أى أن الحدث ليس فى علمى المُسبق لأفاجأ به وليصدر عنى رد فعل مما يعنى جهلى بالحدث , فإذا قلت أننى أعلم الحدث منذ البدء لأنفعل أمامه عندما يتحقق فهنا أكون عبيط , لذا كونى إله فأنا منزه عن إنتاج سلوك من ردود أفعال حتى لا أكون خاضعاً متأثراً بفعل .

أنا : هل أفهم من ذلك أنك كيان تفتقد للحركة ؟
الإله : أنا كيان عاطل ساكن لا يتحرك حتى لا أفقد كمالى , فيكفى انى كنت غير كامل قبل الخلق , فما يؤرقنى إننى أتشكك فى كمالى فلم أكن كاملاً فى المطلق , فقبل الخلق لم أكن كاملاً بحكم انى لم أكن قد أنجزت مهمة الخلق وعندما أنجزتها تركت الأمور تتم وفق القوانين الطبيعية , لذا أنا عاطل عن العمل والفعل من حينها فصرت كتلة هامدة بلا عمل وإبداع لأحافظ على كمالى..والأشد بؤسا أنى صرت ساكناً لا أتحرك خطوة واحدة من مكانى , فالحركة تعنى الإقدام على إنجاز فعل لم يتم مما يعنى عدم إكتمالى , فأليست هذه حياة بائسة هذا إذا صح إدراجها تحت مفهوم الحياة .
هناك تناقض أعانيه ما بين ثباتى عن الحركة لأحافظ على كمالى ومابين أننى غير محدود والتى تعنى أننى فى كل يوم بحال وحركة وتمدد , فاللامحدودية هذه تدمر كمالى .!

أنا : أهز رأسى متفهماً معاناة الإله وأستغرب من الأديان التى شخصنته وجعلته منفعلاً .
الإله : نعم تلك الأديان أساءت لألوهيتى أشد إساءة فقد رسمت صورتى بشكل ساذج ضحل وأرى أنها رسومات وتخيلات إنسان قديم وصل به السذاجة والضحالة والتهافت حداً كبيراً ولكن هكذا فهمه وتخيلاته .. هناك أمر آخر يؤرقنى ولا أجد له حلاً وأرى الإنسان أفضل نسبيا منى بالرغم أنه مقيد أيضاً .

أنا مستغرباً : ماهذا الشئ ؟
الإله : أنا افتقد للحرية ولا توجد فى داخلى أى حرية وإرادة ومشيئة فأنا مُسير وفق معرفتى وعلمى المطلق وما سطرته منذ البدء , فلا أستطيع أن أحيد عنه وإلا نسفت معرفتى وعلمى وحكمتى المطلقة , فمعنى الحرية العدول عن سلوك معين وهذا يعنى جهلى بالأحداث الذى من المُفترض أننى أعلمها منذ البدء , فعدولى عنها بحرية تعنى اننى كنت جاهل بها ومخطأ فى تقديراتى وتقييماتى السابقة لتتبدد حكمتى فى الطريق لذا أنا ملتزم بما قررته .
أضف لذلك أن الحرية تعنى تفضيل خيار على مجموعة خيارات أخرى وهذا يعنى أن الخيارات تقوم بدور التأثير على قرارى لأنحاز لإحداها دوناً عن خيارات أخرى وهذا يتنافى مع ألوهيتى , فلست واقعاً تحت التأثير والتأثر لذا لا أستطيع العدول عما قررته فى البدء .
فى الحقيقة أقول أن إفتقادى للحرية جعلنى أبرمج الإنسان وكل منتج حى ككيانات بلا حرية فأنتم تفتقدون للحرية , وكل سلوكياتكم هى نتاج ظروف موضوعية وبيولوجية لا فكاك منها كتأثير الجينات والبيئة والمجتمع والثقافة والطبيعة المادية عليكم لتمارسوا سلوك هو محصلة تفاعل وتأثير هذه القوى , أى أن حريتكم نقطة داخل شكل هندسى كل زواياه وأضلاعه هى الظروف المادية الموضوعية المؤثرة , فحريتكم هى حراك فيما مُتاح ومُؤثر , ولكن فى النهاية تبقوا أفضل حالاً منى .!

أنا : ماذا عن الإدعاء القائل بأنك أرسلت منظومة أخلاقية من خلال الأديان ؟.
الإله : هذا كذب وإدعاء وينم عن جهل البشر , فكما ذكرت سابقاً أننى غير مُعتنى بالبشر , فقد خلقت الحياة والوجود وإنصرفت بعد ذلك فلست راصد البشر ولا متعقبهم ولا راعى لهم ,وما يقال عنه أخلاق وسلوكيات هى منتجات ونواميس بشرية صرفة تعبر عن وعى الإنسان ودرجة تطوره للوصول إلى الأمان والسلام , كما لا تخفى مصالح الأقوياء والنخب والطبقات ويمكنك تتبع جذور الأخلاق وأسبابها .دعنى أقول لك شئ غريب : أنا كيان غير أخلاقى فلا تستغرب فأنا محكوم بطبيعتى الإلهية الكاملة التي تجعلنى مقيد بصرامة تجاهها .

أنا : قولك أنك كائن غير أخلاقى قول خطير .!
الإله : إن طبيعتى الكاملة هي التي تحدد سلوكياتى وأفعالى فأنا لا أخطأ أبدا ولا أستطيع أن أخطئ رغماً عنى لأنى كامل معصوم من الخطأ , فطبيعتى الكاملة تُسيرنى كما تُسير الطبيعة الكائنات الغير عاقلة , فأنا لا أختار أفعالى أو ردود أفعالى بل أتصرف كما لو كنت مُبرمج حسب تعبيراتكم ولكن وفق برنامج كمالى .
أنا مُسير لأن من يختار الخير أو الشر يصيب أحياناً و يخطئ أحياناً كحالكم كبشر , فأنتم مخيرون إلى حد ما , أما أنا فمُسير كالكائنات الغير عاقلة التى تحكمها الغريزة وتتصرف بدون وعى كالنمر الذي يجري خلف الغزال دون أن يدري لماذا يفعل ذلك أو يفكر هل لديه إختيارات أخرى أم لا .. أنا لا أعرف الطريق لحرية الإختيار كما لا أفضل سلوك على سلوك .
هناك شئ خطير لا تفطنون له فى سياق إدعائكم أننى كيان أخلاقى أرسل لكم الأخلاق لأحب الخير وأكره الشر , فوفق منظومتى لا يوجد شئ اسمه خير أو شر كوجود ولا يوجد لدىّ مشاعر حب وكراهية , وهذا يعنى أننى لا أنحاز لحزمة أخلاقية محددة , فالأمور بالنسبة لى سواسية فلا يوجد شئ مُميز مُفضل وشئ قبيح ولايوجد شئ مؤثر علىّ بحكم أن هذه المفردات كلها سواسية لا أتأثر بها .

أنا : وماذا عن صفات العدل والمغفرة والرحمة ألخ من صفات ؟.
الإله : أنت تكرر نفس الاسئلة فقد ذكرت لك مراراً أننى غير معنى برصد الإنسان ومراقبته وحسابه وكل الأوهام والأكاذيب التى سوقتها الأديان , لذا فلا أهمية ولا معنى لعدل ومغفرة ورحمة , ومن هنا أشير إلى سلسلة مقالاتك خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم فأنت فيها تقدم بعض الحجج التى تًفند وجودى من خلال إبراز التناقضات بين صفاتى كالتناقض بين العدل المطلق والمغفرة والرحمة المطلقة وفق ثقافتك عن الأديان الإبراهيمية , فهذه الحجج غير حقيقية كونى لست عادل ولا رحيم ولا غفور , ولا معتنى بهذه الصفات فأنا لا أحشر أنفى فى حياتكم ولن أحاسب أحد .

أنا : أفهم من ذلك أنك مُستاء من تلك الصفات التى أطلقها عليك البشر بالرغم من أن بعض الصفات طيبة كالمحبة والرحمة .
الإله : نعم أرفض تلك الصفات لأنها ليست فى داخلى كما أنها تُشخصنى , ومما يثبت انها إسقاط رؤية الإنسان وذات منشأ بشرى أنها تتهاوى سريعاً عندما يطلقون عليها صفات مطلقة ,فكيف تكون صفة كالعدل والرحمة والمغفرة والكرم ألخ من الصفات مطلقة وأنا وحدى فريداً منذ الازل قبل خلق الإنسان , فكيف أعدل وأرحم وأغفر قبل وجود البشر , كيف تتواجد الصفة فى غياب فعل وموضوع الصفة .؟!
اقول شئ طريف فأنا أستاء من صفات كالغضب والمنتقم والماكر والضار والمُذل فهى تشويه بشع لى ولكنى أحب أن أوصف بالإله الضاحك بالرغم أن تلك الاديان البدوية لم تصفنى بها , فشئ جميل أن يكون الإله ضاحك مُبتسم عن الإله المتوتر الغاضب , ولكن أرجع واقول أن الإله الضاحك لا يليق بألوهيتى ليس من منظور صاحب الفكر البدوى الذى يرى الضحك تقليل من المكانة والعظمة والأبهة بل من منطق أن الضحك يعنى الإنفعال والتأثر والمفاجأة بمشهد معين ليكون رد الفعل هو الإبتسام والضحك , و كما تعلم يُفترض فى الإله إنه بعيد عن الإنفعال والتأثر ورد الفعل كما أشرت سابقا فى أننى كيان بعيد عن المشاعر والاحاسيس فهى تنال من ألوهيتى .

أنا : وماذا عن صفاتك كالغنى والكريم ومَالك المُلك فأتصور أنها صفات لا تحقر من وجودك ؟.
الإله : التحقير يأتى من عدم فهم ماهية الألوهية , فمن أين جاء القول أننى غنى , فالغنى حالة لا تتحقق إلا فى وجود الفقر والحاجة فمعنى قولهم أنى غنى أنهم يُقيمون مقارنة ما بينى وبين آلهة أخرى مثلا أكون أنا أغناهم وهذا غير حادث كونى إله واحد أحد وحيد .. الصفة لا تتحقق يا عزيزى إلا فى وجود الضد والشركاء ليأتى التقييم والمقارنة والحضور .!
مالك الملك فكر ساذج واسقاط الانسان لرؤيته عن ملوكهم وسلاطينهم , فالملكية لا تتحقق الا بوجود شركاء منافسين ليلزم الإقرار وتحديد الملكية وإشهارها وهذه الحالة غير موجودة بحكم تفردى ووحدانيتى , فأنت تكون أحمق عندما تكون وحيداً على كوكب المريخ لتنطلق على أرضه صارخاً معلناً انك مالك المريخ وحدك فهذا هو الجنون والهطل بعينه .!

أنا : وماذا عن الأول والأخر فألست الأول والأخير ؟.
الإله : هاتان الصفتان تبغيان التعظيم والتبجيل ولكن الجهل بطبيعتى أعطى نتائج عكسية , فأنا أزلى أبدى أى ليس لى بدايات ونهايات فحالى كحال الأعداد اللانهائية , فلا تستطيع القول بأن هناك رقم أولى ورقم نهائى فى سلسلة من الأعداد اللانهائية , بينما الأول والأخر تعنى بدايات ونهايات لكميات محددة محدودة , ومن هذا المثال يتضح لك أن الصفات والأسماء التى أطلقوها علىّ هى من فكر بشرى هكذا رؤيته ومعارفه وجهله .

أنا : أريد أسألك سؤال عن حالة فكرية تسود المؤمنين بك فى الأديان الإبراهيمية الثلاث وهى أنك خلقت الكون من أجل الإنسان وأنك سخرت كل الكيانات الحية والجامدة لخدمة الإنسان .
الإله : سبق أن ذكرت لك أننى خلقت الحياة والوجود وأنصرفت بعدها لأتركها وفق قوانين الطبيعة لذا أنا غير مسئول عن أوهام الإنسان وتخاريفه , ولكن سأصرح لك بشئ فعندما يقتلنى الصمت والملل والإكتئاب أفتح نافذتى وأطلع على مثل هذه الحكاوى التى ينسجونها حولى عن أننى سَخرت الوجود لهم فيعترينى الإبتسام والضحك على هذه العقليات الغبية النرجسية التى تعبد ذاتها وتتصور أنها محور الوجود فيالهم من بؤساء حمقى , فالأرض لا تمثل إلا حبة رمل واحدة فى مملكتى الشاسعة فكيف يكون الطفيل الكائن على سطحها هو محور ومركز الحياة والكون .. كما أتطلع على أقوالهم بأن كل الكائنات الحية من حيوان ونبات وبراغيت وصراصير تسبحنى وتسجد لى لتزداد قهقهاتى ثم أغلق نافذتى وأقول دعهم يعيشون فى خيالاتهم المريضة .

أنا : ارى انك تتنكر من كل الصفات والاسماء المنسوبة فما هى معاناتك منها .؟
الإله : سبق الاشارة إلى معاناتى من هذا التشويه الذى يتجلى بتقبيحى فتوصيفى بالمُذل والضار شئ قميئ , صحيح اننى لا أعتنى بما ينسجونه عنى ولكن من غير اللائق أن يتم توصيفى بالمُذل والمُضر , علاوة أن ما يطلقون تلك التوصيفات عليَا يفتقدون إلى أى ذرة من العقل والوعى فكيف اكون مُذل ومُعز فى نفس الوقت , كيف أكون مُضر ومُفيد فى نفس الوقت؟!
أنا : وما المشكلة فى ذلك فالإنسان يضر حيناً ويفيد حيناً .
الإله : أنت قلت الإنسان , ولكنى لست بإنسان , فالإنسان يمارس كافة السلوكيات المتناقضة بمقدار محدود , بينما الإله لا يكون كذلك فصفاته مطلقة فعندما يَرحم أو يَضر أو يَذل أو يَعز أو يَفيد فتلك الصفات غير محدودة ولا مؤقتة , فعندما يذل فرضاً فلا حدود لإيقاف إذلاله فلن تتاح ذرة واحدة من العزة , فأى صفة لن تسمح لأخرى بالتواجد بحكم إطلاق الصفة مثلما أشرت فى كتاباتك أن العدل المطلق ينفى الرحمة والمغفرة المطلقة .!

أنا : هل توجد لديك مشكلة أخرى ؟.
الإله: توجد مشاكل عديدة ومنها مشكلة تربكنى فهل أنا حى أم لا , فلا أعرف كينونة طبيعتى فهل أنا كيان حى أم لا ؟ لأقول فى سريرتى أننى حى بالطبع فلست بميت , ولكن مفردة كلمة حى تنفى ألوهيتى فمعنى الحياة النمو والحركة والتغير , فكلمة النمو تنفى كمالى , كذا الحركة والتغير تنسف ما تبقى من كمال , فهذا يعنى أنى فى كل يوم بحال ليطرأ علىّ التغيير والتبدل وهذا يبدد ألوهيتى .. لا أعلم بقدر ما أرى أن كلمة حى تعطى زخم وحيوية وجمال لأتمناها إلا أن طبيعتى ساكنة ثابتة تشبه الموت .

أنا : أتصور أن حضرتك ليست لديك مشاكل وفق سرد وتوصيف الأديان لك بأنك كلى القدرة .
الإله : هذا كلام خاطئ ومُتوهم , فأنا لدى مشاكل كثيرة كالحرية والإرادة كما سبق أن ذكرت علاوة على مشكلتى مع المنطق والعقل .
عندما يقولون أننى كيان عاقل وأنهم عرفونى بالعقل فهذا قول خاطئ فأنا لا أتعاطى مع العقل وبئس القول أنهم أدركونى بالعقل , فالعقل يعنى الإدراك وأنا مُدرك لذاتى بدون تلك الأداة , كما أن العقل يعنى تعقل الأمور وخضوعها لمفرزة العقل وكأن تلك الأمور مستقلة عن ذاتى تطلب التقييم والإختيار والإختبار والتوازن وهذا لا يليق بكونى إله غير خاضع لحسابات وتوزانات وإختيارات وإختبارات .
كما هناك نقطة خطيرة يتعاطى بها البشر بقولهم أنهم عرفونى كإله من خلال العقل وهذا خطأ فادح وسوء فهم لطبيعتى , فأنا من طبيعة مغايرة عن طبيعتهم فكيف يفهموننى بعقولهم المأسورة فى إدراكهم بطبيعتهم ووجودهم المادي فقط بينما طبيعتى غير مادية مغايرة فكيف يعرفوننى .؟!
أضيف نقطة اخرى فأنا يعجبنى مقولتهم أننى ليس كمثلى شئ وهى مقولة حقيقية , ولكن لو تعاملوا معها بعمق لأدركوا أن كل ما يروجونه عنى من صفات وأسماء ومشاهد غير حقيقية فستجد لها مثيل كذا أن يدركونى بالعقل والمنطق غير صحيح فالعقل يتعامل مع مثيل مادى حَاضر مُدرك .

أنا : أرى أن لديك مشكلة مع المنطق .
الإله : نعم أنا اعانى فيما يطلقون عليه منطق فمُفترض أننى خارج حسابات المنطق والمستحيل ولكن هذا سيفتح الطريق أمام أسئلة تعجزنى لا أستطيع الإجابة عليها مثل هل أستطيع خلق دائرة مربعة , أو خلق حجر ضخم من فرط ضخامته لا أستطيع تحريكه , أو القول هل أستطيع خلق إله مثلى أو هل بإمكانى أن أميت نفسى وغيرها من أسئلة يطرحها الملحدين الخبثاء للتشكيك فى قدرتى المطلقة , ولكنى فى نفس الوقت أخضع للمنطق لينتج عنها إشكاليات خطيرة ستدفعنى للتشكك فى وجودى سأطرحها عليك فى المقابلة القادمة .

أنا : أسألك عن رأيك فى الحوارات الطويلة التى تتناول وجودك مابين ملحد ومؤمن .
الإله : أرى أنكم تستهلكون أنفسكم فى حوارات جدلية ليس لها جدوى , بمعنى أن الجدوى هى التى تحدد وجودى فإذا كان هناك من لا يرى عدم جدوى من وجودى فلا يهم إذا كنت موجوداً أم لا , أما من يرى جدوى وأهمية لوجودى فسأكون موجوداً حتى لو إفتقد الحجج لإثبات وجودى .

أنا : قول رائع منك فهذا يعنى أن وجودك حاجة متوهمة من البشر كما ذكرت حضرتك سابقاً أن ليس لديك خطة للبشر فلا إعتناء ولا تقدير أرزاق ولاحشر أنفك فى حياتهم علاوة أنك لن تستضيف أحد منهم فى جنه أو جحيم وهذا يعنى انك بلا جدوى أى أن وجودك أو عدم وجودك ليس بذو اهمية .
الإله : حسناً .. هو كذلك ولا يهم ولا أعتنى به ولا يقلقنى , فلا يزعجنى من ينكر وجودى فأنا بالفعل لا أمنحهم الجدوى وكونهم يتوهمون هذا فليست مسئوليتى .

أنا : ذكرت فى فقرة سابقة أن هناك إشكاليات خطيرة فماهى ؟.
الإله : نعم هناك أمور تكاد تقتلنى حيرة فأنا أفكر فى وجودى مثلكم بل أتشكك فى كل ما أتصوره من أزلية أبدية ألخ , ولكن دع هذا الحديث فى لقاء آخر فأنا أريد أن أستريح أو أستوى على العرش حسب ما تسرده الأديان لديكم .

أنا : تشوقنى للحلقة القادمة ولكن هل لى أن أطلب نفحة عنها .
الإله : هذا سيكون حديثا أطول من هذا لأتناول السببية والخلق والأزلية والأبدية والتصميم وما خلافه ولكن لرغبتك فى نفحة سأطرح عليك تأمل واحد تفكر فيه إلى حين اللقاء , وهو كيف أكون أزلى أبدى وانا لا أعى ولا أدرك المشاهد فى اللانهائية فلو قال أحد أننى أدركها فهذا يعنى أنه لا توجد أزلية أبدية , فكر فيها .!

أنا : سرنى هذا الحديث وهذا البوح .
الإله : أنا من أشكرك على حضورك وقدرتى على البوح عما فى داخلى ولتعلم شئ أن الإنسان عبدنى كفكرة يمرر بها رغبته فى البوح عما يعتريه من الحياة والوجود .

دمتم بخير وعام سعيد على الجميع وتهنئة خاصة للأخوة المسيحيين
- " لو بطلنا نحلم نموت .. طب ليه ما نحلمش " .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكراهية فريضة إسلامية هكذا قوله وليس قولنا
- اللعنه على المادة أفقدتنى رومانسيتى
- هناك فرق .. فلتقرر أيهما أفضل
- أسباب وجذور تخلفنا
- وهم الحقيقة - تأملات وخواطر إلحادية
- مفاهيم وتعبيرات خاطئة-تأملات وخواطر إلحادية
- الإسلام الذى لا نعرفه-الأديان بشرية الفكر
- رباعياتى
- مفاهيم خاطئة شائعة-نحو فهم الحياة والإنسان والوجود
- مزاج إله سادى-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم
- كيف تفسر هذه المشاهد-الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت
- أسئلة مُحيرة-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم
- حقيقة الأشياء-نحو فهم الحياة والإنسان والوجود
- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون-الإنحياز الجمعى
- مائة حجة تُفند وجود إله-من 57إلى 61
- تأملات فى الإيمان والدين والإنسان
- تناقضات قرآنية – جزء ثالث
- تناقضات قرآنية - جزء ثانى
- تناقضات قرآنية بالجملة -جزء أول .
- مائة حجة تُفند وجود إله-حجة ستة وخمسون


المزيد.....




- موسكو تؤكد استعدادها مع بكين للمساعدة في تحقيق الوحدة الفلسط ...
- هنية يهاتف وزير المخابرات المصرية بشأن مفاوضات وقف إطلاق الن ...
- مجموعة ملثمة مؤيدة لإسرائيل تهاجم مؤيدين للفلسطينيين في جامع ...
- شاهد: انهيار طريق سريع جنوبي الصين يودي بحياة 48 شخصاً
- واشنطن تعتبر تصريحات قيادة جورجيا حول تهديدات الغرب تقويضا ل ...
- عالم أحياء يكشف الخصائص المفيدة لزهور الزيزفون
- الشمس تومض باللون الأخضر لبضع ثوان في ظاهرة نادرة للغاية
- تحذيرات من علامات في كتبك القديمة قد تعني أنها -سامة عند الل ...
- الإعلام العبري يكشف عن انتشار غير عادي للجيش المصري على حدود ...
- دراسة تونسية تجد طريقة بسيطة لتعزيز فقدان الوزن


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - إعترافات ومعاناة إله-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم